responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : التفسير الوسيط المؤلف : طنطاوي، محمد سيد    الجزء : 1  صفحة : 605
الإنفاق وبعده، فعلى المنفق أن يستمر في أدبه وإخلاصه وقت الإنفاق وبعده حتى لا يذهب ثوابه، إذ المنّ والأذى مبطلان للثواب في أى وقت يحصلان فيه.
قال الشيخ ابن المنير مبينا أن ثُمَّ هنا تفيد استمرار الفعل بجانب إفادتها للتفاوت في الرتبة: وعندي فيها- أى في ثم- وجه آخر محتمل في هذه الآية ونحوها. وهو الدلالة على دوام الفعل المعطوف بها وإرخاء الطول في استصحابه. فهي على هذا لم تخرج عن الإشعار ببعد الزمن، ولكن معناها الأصلى تراخى زمن وقوع الفعل وحدوثه، ومعناها المستعار إليه دوام وجود الفعل وتراخى زمن بقائه. وعليه حمل قوله-: إِنَّ الَّذِينَ قالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقامُوا أى: داوموا على هذه الاستقامة دواما متراخيا ممتد الأمد.. وكذلك قوله هنا «ثم لا يتبعون ما أنفقوا منا ولا أذى» أى يدومون على تناسى الإحسان وعلى ترك الاعتداد به والامتنان والأذى.. [1] .
وكرر- سبحانه- النفي في قوله: ثُمَّ لا يُتْبِعُونَ ما أَنْفَقُوا مَنًّا وَلا أَذىً لتأكيده وشموله لأفراد كل واحد منهما، أى يجب ألا يقع منهم أى نوع من أنواع المن ولا أى نوع من أنواع الأذى. حتى لقد قال بعض الصالحين: «لئن ظننت أن سلامك يثقل على من أنفقت عليه بنفقة تبتغى بها وجه الله، فلا تسلّم عليه» .
ثم ختم- سبحانه- الآية ببيان عاقبة المنفقين بلا من ولا أذى فقال: لَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ أى: لهم جزاؤهم العظيم مكافأة لهم على أدبهم وإخلاصهم، عند مربيهم ومالك أمرهم، ولا خوف عليهم مما سيجدونه في مستقبلهم، ولا هم يحزنون على ماضيهم، وذلك لأن الله- تعالى- قد أحاطهم برعايته في دنياهم وأخراهم وعوضهم عما فارقوه خير عوض وأكرمه.
ثم كرر- سبحانه- التحذير من المن والأذى، مناديا المؤمنين بأن يجتنبوا في صدقاتهم هاتين الرذيلتين، مبينا أن الكلمة الطيبة للفقير خير من إعطائه مع إيذائه، استمع إلى القرآن الكريم وهو يسوق هذه المعاني وغيرها بأسلوبه البليغ المؤثر فيقول:

[سورة البقرة (2) : الآيات 263 الى 264]
قَوْلٌ مَعْرُوفٌ وَمَغْفِرَةٌ خَيْرٌ مِنْ صَدَقَةٍ يَتْبَعُها أَذىً وَاللَّهُ غَنِيٌّ حَلِيمٌ (263) يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُبْطِلُوا صَدَقاتِكُمْ بِالْمَنِّ وَالْأَذى كَالَّذِي يُنْفِقُ مالَهُ رِئاءَ النَّاسِ وَلا يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ صَفْوانٍ عَلَيْهِ تُرابٌ فَأَصابَهُ وابِلٌ فَتَرَكَهُ صَلْداً لا يَقْدِرُونَ عَلى شَيْءٍ مِمَّا كَسَبُوا وَاللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكافِرِينَ (264)

[1] حاشية تفسير الكشاف ج 1 ص 311 للشيخ أحمد بن المنير.
اسم الکتاب : التفسير الوسيط المؤلف : طنطاوي، محمد سيد    الجزء : 1  صفحة : 605
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست